لمقدمة:
المبحث الأول: ماهية ومصادر غسل الأموال.
المطلب الأول: مفهوم غسل الأموال.
المطلب الثاني: الفرق بين غسل الأموال وتبييض الأموال.
المطلب الثالث: مصادر الأموال غير الشرعية.
المبحث الثاني: عملية غسل الأموال والآثار المترتبة عنها.
المطلب الأول: طرق غسل الأموال.
المطلب الثاني: مراحل غسل الأموال.
المطلب الثالث: الآثار المترتبة على عملية غسل الأموال.
المبحث الثالث:أحكام غسل الأموال شرعاً وقانون
. المطلب الأول: غسل الأموال في الشرع الإسلامي
. المطلب الثاني: العقوبات المترتبة على جريمة غسل الأموال
. المطلب الثالث: طرق مكافحة غسل الأموال
الخاتمة
المقدمة:
مع التقدم الحضاري والتطور التكنولوجي الحديث ارتفعت نسبة الجرائم الواقعة حول العالم، والتي يمكن أن تكون جرائم اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية مثل جريمة غسل الأموال، والتي سنتحدث عنها بشكل تفصيلي في هذا البحث.
المبحث الأول:
ماهية ومصادر غسل الأموال
المطلب الأول:
مفهوم غسل الأموال
يعرّف غسل الأموال بأنه مجموعة من المراحل التي يتم من خلالها تحويل كميات كبيرة من الأموال الغير قانونية إلى أموال قانونية متاحة للاستعمال، وذلك من خلال استخدام وسائل غير مشروعة كتجارة المخدرات مثلاً.
المطلب الثاني:
الفرق بين غسل الأموال وتبييض الأموال
غسل الأموال وتبييض الأموال هما وجهان لعملة واحدة، حيث يُقصد بهما الأساليب والوسائل التي يتم بواسطتها استعمال الحيل والطرق الغير قانونية؛ بهدف جعل الأموال الغير شرعية تكتسب الصفة الشرعية الغير مخالفة للقانون، وقد تكون هذه الأموال مكتسبة من تجارة المخدرات أو من الاختلاس والغش في الأنشطة التجارية.
المطلب الثالث:
مصادر الأموال غير الشرعية
ظهر مصطلح غسل الأموال حديثاً في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي (1920-1930) م، ويعود أصله إلى عصابات المافيا في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، كما وتتعدد المصادر التي يتم من خلالها الحصول على الأموال الغير قانونية وأهمها:
أولاً- التجارة الغير مشروعة وتتمثل بـــِ:
• المصادر المرتبطة بالمخدرات والممنوعات: عَرف الإنسان المخدرات أو ما يُعرف بالمؤثرات العقلية منذ القدم، كان أولها الأفيون وهو عبارة عن مادة تنتج عن تعاطي المخدرات وهذه المادة لها مشتقات أخرى كالهيروين والمورفين، يقوم التجار بإنتاج المواد المخدرة وبعد استثمارها يحصلون على مبالغ مالية كبيرة جداً، وحتى يتم غسل هذه الأموال لا بد من إدخالها إلى الأنشطة الاقتصادية؛ من أجل العمل على استثمارها وتبادلها عقب مرورها في عدة مراحل حتى تصبح داخل البنوك.
• المصادر المرتبطة بتجارة الأسلحة النارية غير المشروعة: هناك فرق بين الأسلحة التقليدية (الغير نارية) مثل الخناجر والعصي والسيوف، والأسلحة النارية (المسدسات والصواريخ والراجمات والهاون)، والمقصود هنا الأسلحة النارية التي يتم التجارة بها بشكل سري بعيداً عن أنظار السلطات الأمنية، حيث تقوم عصابات وجماعات متخصصة في شراء وبيع الأسلحة الغير قانونية باستثمارها وتحقيق المكاسب المادية من خلالها.
• المصادر المرتبطة بتجارة الأطفال والنساء: تقوم عصابات إجرامية باختطاف الأطفال والنساء والتجارة بأعضائهم، وهذه الظاهرة تتنافى مع التكريم الذي منحه الله-عز وجل-للبشر في قوله تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ…”، تجني هذه العصابات الملايين من الأموال نتيجة ذلك وتقوم بنقلها عبر البلدان؛ للقيام بغسلها وجعلها متاحة للتبادل في مختلف الأنشطة التجارية.
ثانياً- الغش والاحتيال:
1- الغش: ويعني القيام بإخفاء الأشياء وإظهارها بطريقة أخرى (الاحتيال)، ومن ثم العمل على بيعها واستثمارها دون علم الطرف الآخر بأنها غير صالحة للاستعمال، ويشمل الغش ما يلي:
• الغش في بيع وشراء المواد الغذائية: ويتم ذلك عن طريق إخفاء تاريخ انتهاء صلاحية السلعة، أو بتغيير مواصفاتها الأصلية إلى مواصفات أخرى وبيعها في المتاجر والأسواق.
• الغش التجاري: كالغش بتغيير الاسم التجاري للسلعة، أو بتغيير العلامة التجارية لها.
2-الاحتيال: وسائل وأساليب خفية تهدف إلى تحقيق النتيجة المقصودة بطرق مخالفة للقانون، وهو على عدة أشكال:
• عمليات انتحال الشخصيات: ويعني الظهور بشخصية أخرى غير الشخصية الأصلية، كانتحال صفة ضابط شرطة مثلاً.
• عمليات النصب: بادّعاء فئة من الأشخاص أن الهدف من جمع التبرعات والأموال هو لصالح الجمعيات والمراكز الخيرية.
• المكاتب الوهمية: عبارة عن مكاتب غير مسجلة بالقانون تدّعي أنها تمنح جوازات للسفر أو تصاريح للعمال لكنها في الواقع ليست كذلك.
• عمليات بيع العملات المزورة في الأسواق: يقصد بالتزوير التلاعب في قيمة العملة الحقيقية أو تقليدها ومن ثم بيعها في الأسواق.
ثالثاً- الرشوة والتهرب الضريبي:
تعرّف الرشوة بأنها شكل من أشكال الفساد المنتشرة حول العالم، وتعني قيام موظف عام بطلب مال أو هدية أو منفعة ما لنفسه؛ من أجل القيام بعمل معيّن يعتبر من واجبات وظيفته، وهي جريمة تضر بالمجتمع وتفسده.
أما التهرب الضريبي يُقصد به قيام الفرد بالتهرب من دفع الضريبة إما بشكل كلي أو بشكل جزئي، فعندما يتهرب من دفعها يظن بأنه قد حقق مكاسب مالية كبيرة، لكن العكس إن تهربه من دفعها يتسبب في حدوث أزمات ومشاكل مختلفة في المجتمع المقيم فيه، فالقصد من عملية تجميع هذه الضرائب هو تقديم الخدمات المتنوعة للمواطنين من صحة وتعليم وأمن وغيرها.
رابعاً- الأسواق السوداء:
يقوم العاملون في هذه الأسواق بتحقيق أرباح ضخمة؛ نتيجة استغلال الأنظمة والقوانين التي لا تسمح بالتجارة في نوع خاص من السلع (استغلال ندرتها وبيعها).
المبحث الثاني:
عملية غسل الأموال والآثار المترتبة عنها
المطلب الأول:
طرق غسل الأموال
يوجد عدة طرق يتم من خلالها غسل الأموال، ومن أهم هذه الطرق ما يلي:
• استعمال هذه الأموال في شراء العديد من الأسهم.
• شراء السيارات والعقارات وتسجيلها بأسماء أشخاص آخرين.
• استخدام الأموال غير المغسولة في شراء تذاكر وجوازات السفر.
• الاحتيال على البنوك بأخذ قروض منها وخلطها مع هذه الأموال.
المطلب الثاني:
مراحل غسل الأموال
تمر عملية غسل الأموال في ثلاث مراحل، وهي على النحو الآتي:
• مرحــلة الإيداع: تعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي تتم فيها عملية غسل الأموال، فبعد الحصول على كميات كبيرة من الأموال الغير مشروعة يتم التخلص منها من خلال العمل على إيداعها في البنوك، أو القيام بتحويلها إلى عملات أخرى.
• مرحــلة التمويه: يتم في هذه المرحلة تمويه مصدر الأموال غير الشرعية عن طريق اتباع عمليات مصرفية معقدة، وذلك باعتماد طريقة التحويل الإلكتروني أو تحويل هذه الأموال من بنك لبنك آخر.
• مرحــلة الدمج: بعد هذه المرحلة لا يمكن معرفة الأموال المشروعة من غير المشروعة، إلا بطريقة واحدة وهي التجسس بطريقة سرية على العصابات والجماعات التي تقوم بعمليات غسل الأموال.
المطلب الثالث:
الآثار المترتبة على عملية غسل الأموال
ينجم عن عملية غسل الأموال عدة آثار سلبية تؤثر على المجتمع ككل، ومن هذه الآثار:
1. ارتفاع الأسعار وحدوث انهيار في سوق البورصة.
2. شيوع جرائم الفساد والرشوة الوظيفية.
3. حدوث خلل وضعف في الجوانب المالية والمصرفية.
4. التسبب في ضرر سمعة الدولة التي تنتشر فيها جريمة غسل الأموال.
5. تدني مستوى المعيشة بسبب تفاقم ظاهرة البطالة.
6. التخلي عن القيم الاجتماعية الأصيلة (كالصدق والأمانة والوفاء)، وانتشار ثقافة تعاطي المخدرات والممنوعات بشكل كبير جداً.
7. حصول هشاشة وضعف في الاقتصاد القومي وتآكل الطبقة المتوسطة في المجتمع.
8. تهديد الأمن والسلام الدوليين؛ نتيجة لارتفاع أعداد المجرمين المنفذين لهذه الجريمة.
المبحث الثالث:
أحكام غسل الأموال شرعاً وقانوناً
المطلب الأول:
غسل الأموال في الشرع الإسلامي
لقد حرمت الشريعة الإسلامية عملية غسل الأموال؛ لأن هذه الجريمة تقوم على عدة إجراءات استثمارية مخالفة للأحكام والقيم الإسلامية، بالتالي لا يجوز أن يمارس أي مسلم مثل هذه العملية سواء أكان يقيم في بلاد إسلامية أو بلاد أجنبية.
توجد عدة طرق يتم من خلالها التخلص من هذه الأموال الغير شرعية وذلك من خلال العمل على إعادتها إلى أصحابها، أو إتلافها والتخلص منها، أو عن طريق التصدق بها للمراكز والجمعيات الخيرية، واستناداً لما سبق نرى أن عملية غسيل الأموال المنتشرة في عصرنا الحالي محرمة ومرفوضة قانوناً وشرعاً، فإذا قام بها المسلم أو تعامل مع من يرتكبها فإنه يتعرض للمساءلة القانونية في الدنيا، والعقاب الشرعي في الآخرة.
المطلب الثاني:
العقوبات المترتبة على جريمة غسل الأموال
بالاستناد إلى نص المادة (37) من قانون مكافحة غسل الأموال رقم (20) لسنة 2015م، فإن العقوبة المترتبة على جريمة غسل الأموال هي كالتالي:
• يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال بالحبس لمدة لا تقل عن السنة ولا تزيد عن الثلاث سنوات مع غرامة لا تقل عن مثل الأموال محل الجريمة، وهذا في حال كانت الجريمة الأصلية متحصلة عن جنحة.
• يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال بالسجن لمدة لا تقل عن الثلاث سنوات ولا تزيد عن الـ (15) سنة مع غرامة لا تقل عن مثل الأموال محل الجريمة، وهذا في حال كانت الجريمة الأصلية متحصلة عن جناية.
• يعاقب كل من حرض أو ساعد أو سهل أو تشاور أو شرع في ارتكاب جريمة غسل الأموال بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي.
المطلب الثالث:
طرق مكافحة غسيل الأموال
يتم ارتكاب جريمة غسل الأموال من قِبَل فرد أو مجموعة من الأفراد من بينهم موظفي الشركات الذين يُطلق عليهم اسم “منظفي الأموال”، وتتم أيضاً بواسطة حاملي الحقائب، وموظفي البنوك، والمحاميين والمحاسبين كذلك وغيرهم من الفئات، ونشير هنا إلى دور البنوك في عملية مكافحة جريمة غسل الأموال من خلال مراقبة حسابات العملاء والتأكد من صحة هويتهم ونشاطهم، وفي حال اكتشف الخبير أن أحدهم يعتبر مرتكب لهذه الجريمة، فإنه يقوم بالتبليغ عنه بشكل رسمي لدى الجهات المختصة.
دعت اتفاقية فيينا لعام 1988م على التكاتف الجماعي بين الدول الأعضاء للعمل على الحد من ظاهرة غسيل الأموال، كما ونصت لجنة بازل لعام 1988م على مجموعة من المبادئ من بينها مبدأ “اعرف عميلك” والذي يفرض على البنوك عملية التحقق من هوية العميل وطبيعة نشاطه وعمله، وكذلك مبدأ دمج المؤسسات المصرفية معاً للعمل على تقديم المساعدة للجهات المختصة في الكشف عن جرائم غسل الأموال، وأيضاً تضمنت اتفاقية باليرمو لعام 2000م أحكام مأخوذة من اتفاقية فيينا نصت على تجريم مثل هذه الجريمة وفرض العقوبات على مرتكبيها.
الخاتمة:
لا شك أن عملية غسل الأموال هي ظاهرة عالمية تعاني منها كافة دول العالم، حيث تعود هذه الظاهرة إلى ما قبل ألفي سنة من الميلاد، ولا زالت إلى يومنا الحالي تتفشى بشكل كبير يوماً بعد يوم؛ كونها تعد ثالث أكبر نشاط اقتصادي عالمياً، وبالنسبة لكمية المال المستعمل في عمليات الغسيل فإن لجنة الإحصائيات لم تستطع تحديدها؛ لأن هذه الجريمة تعتبر من جرائم الاقتصاد الخفية التي تتم بواسطة العديد من الطرق والأساليب المختلفة مما يجعلها غير قابلة للحصر، بالتالي وبالاستناد إلى ما سبق فإنه لا يمكن التخلص من جريمة غسل الأموال بشكل نهائي، بل يمكن العمل على الحد منها باتباع الطرق المذكورة سابقاً.
مؤسسة الضبع القانوتية
غسيل الاموال لتحميل